الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

فك الله كربك يامعالي المستشار

تأملات في مشهد إهانة الخضيري
مقال للأستاذ جمال سلطان من جريدة المصريون
تأملات في مشهد إهانة الخضيري

في أي دولة أو مجتمع حديث يمكن تصور اهتزاز حرمة أي مؤسسة مهما كانت أهميتها وخطورتها ، يمكن تصور أي انفلات أمني أو اجتماعي ، يمكن تصور أي فوضى أو صراعات في أي جهة من أركان الدولة ، وتبقى الدولة رغم ذلك ، إلا القضاء ، عندما يهتز لا تصبح هناك دولة ، وينفرط عقد المجتمع ، وتضيع الحقوق ، وتتحول الحياة إلى غابة ، وتسود لغة القوة والبطش ، ومن يملك السلاح يفرض قانونه وعدالته ، ومن يملك القوة والبطش ، بالمال أو السلاح ، شرعية أو غير شرعية ، ينتزع ما يراه حقه أو ما يراه مستباحا له ، وهذا ما يثير قلقي الشديد على مجريات الأحداث في مصر ، هناك من الممارسات التي تتم الآن في القضاء المصري تعرض القضاء للاهتزاز ، هناك من القرارات والمواقف ما تشعر معه أن أصحابها لا يقدرون حرمة المنصب الذي يتبوأونه ، ولا حرمة منصة العدالة ، ولا قدسية الرسالة التي أوكلت إليهم ، إنهم يهينون القضاء ويحطون من شأنه ، ويضعفون ثقة الناس به ، ولم يكن مفاجئا لي ذلك التقرير الدولي الذي أعلن عن نتائج استطلاع رأي دقيق في مصر خلال الأشهر القليلة الماضية ، والذي سجل ـ ضمن ما سجل ـ تراجع الثقة بالقضاء في مصر عند الناس بصورة مخيفة ، هذا خطير جدا ، ومؤذن بشر كبير في مصر لا سمح الله ، فالناس تبقى آمالها معقودة على الإصلاح وعلى الإنقاذ وعلى الخروج من الفوضى والأفق المسدود طالما استشعرت أن هناك قضاءا عادلا وشفافا وقويا ومستقلا فوق الغواية أو الخوف أو الضعف أمام الولاءات السياسية أو العقائدية ، لم أصدق أبدا صدور قرار من النيابة العامة بالقبض على القاضي الجليل المستشار محمود الخضيري ، وعندما سمعت الخبر لأول مرة اعتبرته مزحة ثقيلة ، فلما تحققت من صحته أصابتني كآبة ، ليس من أجله هو ، فهو واحد من آلاف الرموز الوطنية التي تستباح هذه الأيام ، ولكن من أجل صورة القضاء وحرمته في ضمير الناس ، لا يمكن أن يبتلع الناس مثل هذه الإهانات والمساخر والبهدلة لشيوخ القضاة ، وسيعود ذلك بالوبال على القضاء كله لا سمح الله ، وإذا كان هذا ما يتم مع شيوخ القضاة ورموزهم الكبيرة وعلى يد بعض المنتسبين إلى القضاء نفسه ، فكيف بباقي الناس ، والتهمة التي وجهت إلى الخضيري أشبه بنكتة ، فهناك من تذكر بعد ثلاث سنوات أن هذا القاضي الجليل عذبه في ميدان التحرير أثناء ثورة يناير 2011 ، كما أن من يعرفون القاضي الجليل معرفة شخصية تصيبهم الدهشة والذهول ، لأن الخضيري وهو أحد رموز ثورة يناير كان يتحرك عادة مستندا على أحد بجواره لثقل حركته بحكم السن وهو ابن الخامسة والسبعين من عمره ، متعه الله بالصحة والعافية ، وتقريبا لا يرى ويميز الأشياء لأبعد من مترين أمامه لظروف متاعب عينيه ، فتوجيه الاتهام السخيف له بتعذيب المتظاهرين أحقر من أن يوصف بأنه سخيف أو أن يحمله أي أحد على محمل الجدية ، فأن يصدر قرار من النائب العام بالقبض على هذا القاضي الجليل كأنه إرهابي أو خارج على القانون وتصدر الشرطة بيانا مضحكا عن جهودها الكبيرة في تتبع تنقلاته وجمع معلومات وتحريات عن أماكن تواجده حتى تمكنت من القبض عليه ، هي كوميديا حقيقية ، ولكنها من نوع الكوميديا السوداء . محمود الخضيري أحد أبرز شيوخ القضاء المصري التي انحازت لثورة يناير وشاركت فيها بقوة ، في الوقت الذي كان فيه آخرون في مؤسسة العدالة يقفون ضد الثورة ويصفون الثوار بأحط الأوصاف ويدافعون عن نظام مبارك حتى آخر لحظة قبيل سقوطه ، كما أن الأركان الأساسية لمكتب النائب العام ما زالت هي نفسها التي كانت في عهد مبارك الذي قامت عليه الثورة ، ذهب عبد المجيد محمود وبقيت أذرعه ، وإني أربأ بالقضاء أن يتحول إلى ساحة لتصفية حسابات سياسية بين رموز ثورة يناير من أبنائه وخصومها.
almesryoongamal@gmail.com twitter: @GamalSultan1

ليست هناك تعليقات: