السبت، 15 نوفمبر 2008

عالم فاضل

هذا الأستاذ الفاضل ...أستاذنا الكبير/ الأستاذ الكتور عبد الحليم عويس.... نحسبه على خير ولا نزكي على الله أحد. يظهر علمه الغزير وفضله الكبير في زمن الرويبضات ممن يحلون ماحرم الله أو يشككون في سنته أو ثوابته كنجم دري تتشتت أمامه أوهام أنوار النفاق والجهل، هذا إن كان للسوء نورا. أقدم مقاله التالي من جريدة المصريون...آملا أن يعرفه من لايعرفه فيكون لنا أجر أن ننشر علما. إلى المقال.....

في بيتنا عمر
د عبد الحليم عويس : جريدة المصريون بتاريخ 14 - 11 - 2008

كنت نصف نائم .. أجاهد الهموم .. فلعلي أظفر بشئ من النوم ... وبينما كانت عيناي مغلقتين، كان كياني يعمل بأقصي طاقاته.. وكان السؤال الذي يستغرقني: كيف يستطيع المسلمون عبور هذه العقبات الكأداء ... وهذا المأزق الحضاري الكبير؟
إننا ندور كالرحا.. نتقدم خطوات.. ونتأخر أخري .. شعوبنا أوعي بعمق اللحظة الفاصلة من وعي حكامها.. وهيهات أن يظهر من هؤلاء الحكام نور الدين، أو عماد الدين، أو صلاح الدين ...!!لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل مُفسدٍ مفسدُ جديد !!حقا .. يارب هذا هو واقعنا؟ ...وإلي متى ؟انتصرتْ نسبةُ النوم قليلاً... وبدأت أذوب في اللاوعي واللاشعور ...فكأنني في ملتقي الطريق... بين الموت والحياة، واليقظة والنوم.. وفجأةً... رأيتُ وجهاً مضيئاً يزحف علي كياني .. وتتجه أشعته صوب منطقة الوعي ... أحقا هو ؟.. أحقا ما أري؟ ومن أري؟...هل هو – بحق – الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز؟- يالله .. لم يكن يدور بخلدي أن يزورني خاتم الراشدين رضي الله عنه وأرضاهفمن أنا ؟ أنا الذي أحمل من الذنوب وصور التقصير ما أخجل معه أن ألتقي بعظيم كالراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز(99-101هـ)
* * *
في غرفة من البيت، كانت هناك مكتبة لا بأس بها، فرأيت إشراقة علي وجه عمر، فهذه الكتب من آثار جهود بنى أمية فاتحي العالم، وبني العباس صانعي النهضة العلمية وغيرهم من دول الإسلام العظيمة.لكن نظري- أنا – كان حسيراً، ولم تَبْدُ علي وجهي إشراقة كالإشراقة التي ظهرت علي وجه عمر... بل أطرقت خجلاً، وقلت في نفسي: - تٌري ماذا سأقول لهذا الخليفة العظيم وأمتنا الإسلامية اليوم أمة أميَّة لا تفكر في أن تمحو الأمية الفكرية والعقلية؛ وأبناؤها حملة أوراق تسمي (الشهادات) لكنهم قلمَّا يبدعون أو يفكرون، وإذا نبغوا أو أبدعوا ففي غير بيتهم المسلم، ولغير قومهم المسلمين.. تٌري: ماذا أقول له لو سألني عن مستوي الأمة الإسلامية العلمي والتقني، بالنسبة لعالمها المعاصر بعد 14 قرناً من نزول ( سبعمائة آية) في القرآن الكريم تحث علي العلم والمعرفة والتدبر؟!لكنه – وهو الخليفة التقيّ الزكي- أَدْرَك اضطرابي، وعرف أن في نفسي أشياء لا أقوي علي التصريح بها.. فترك الأمر وانصرف يتعرف علي بقية أرجاء البيت ويتجول فيه،وكانت في البيت غرفة صغيرة مظلمة مهملة، وضعتٌ فيها ما بقي من قصاصات الجرائد والمجلات، وفي هذه القصاصات تبدو صور جبارين كثيرين من الذين حكموا الأمة الإسلامية بالقهر والظلم، ومن المبغضين لما أنزل الله، ومن المنسحقين الآخرين ممن استوردوا لها أفكاراً مطبوخة( معلبة) من الشرق والغرب، وجعلوا أنفسهم أقانيم؛ بل ووضعوا مواثيق وكتباً خضراء وحمراء وسوداء، يصرفون بها الناس عن كتاب ربهم .. وقد أطلقوا علي عملهم هذا اسم( التنْوير) أي رفض الإيمان بالله والدين ( لأن الدين ظلامية ) أو – للمجادلة – يجوز عندهم الرضا بدين محنط لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وليس له تأثير في الحياة، بل إن بعضهم جعل الإنسان سيداً للكون، واستغني به عن الله، وبعضهم جعل المادة محور الحياة، وهي قبل الفكر، وهي صانعة النهضة والتقدم.• أما الدين والفكر والآخرة فليست في حسابهم... وظهر القلق والاضطراب علي وجهي، لعلمي أن الخليفة عمر بن عبد العزيز قد سعي إلي السلام- وهو أقوي حكام الدنيا- ليمنح الناس فرصة الحوار والتعرف الموضوعي الهادئ علي الإسلام وعلي الحق... وأن سياسته نجحت ووحدَّت المسلمين، حتي الخوارج أغمدوا سيوفهم أمام منهجه في العدل والسلام والرحمة... • لكنني فوجئت بعمر يدير ظهره وهو مكتئب ممتعض، وكأنه لايريد أن يري أئمة الفساد في الأرض، وزبانية الشّر الذين خرَّبوا الأمة وحرَّفوا الدين، بل خانوا الوحي، وخانوا الله ... وقد أحسستٌ بشفتيه تتحركان فأدركت أنه يستعيذ بالله من شياطين الإنس والجنّ ومن أهل النفاق، وتمزيق الإسلام، بل وبيعه بأبخس الأثمان...وبدا لي أيضاً أنه يتذكر أن هؤلاء هم الذين سَيُدْفَعون عن حوض رسول الله يوم القيامة، كما يزاد البعير الضال، فيناديهم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: ألا هلموا فيقال له : إنهم قد بدَّلوا بعدك... ولم يزالوا يرجعون علي أعقابهم والرسول يقول : ألا سحقا سحقا... فلا يشربون من يده الشريفة تلك الشربة التي لا يظمأ الإنسان بعدها أبداً..
* * *
وفي الغرفة الأخري؛ كانت هناك لوحات مكتوبُُ عليها بعض الآيات القرآنية، وفي كل ركن من أركان اللوحة الأربعة وضع- علي النمط التقليدي المعروف –اسم خليفه من الخلفاء الراشدين... وهنا تألق النور في وجه عمر بن عبد العزيز، ويبدو أنه أخذ يتذكر معلوماته عن صحابة الرسول الكرام، الذين حملوا الراية من بعد الرسول (عليه السلام) وفتحوا العالم بالحب والإيمان. لكني خشيت هنا أن يعود شىء من الغضب إلى وجه عمر لو ذكرت له أن هناك أقواما حققوا ما أخبر به رسول الله يسمون الباطنية أو الرافضة ينتمون – كذبا – للتشيع لآل البيت، وآل البيت منهم براء ، يتلذذون بل ويقيمون الأحفال لسب صحابته رضوان الله عليهم ،مع أن الرسول أوصانا بهم ، وقال لنا (صلي الله عليه وسلم) : الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك الله أن يأخذه "(رواه الترمذي)، ورواه أحمد في فضائل الصحابة بلفظ: "اتقوا الله في أصحابي"( ورواه ابن حبان في صحيحه، وأورده السيوطي في الجامع الصغير).وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : " لاتسبوا أصحابي لاتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم انفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدًّ أحدهم ولا نصيفه " (متفق عليه).لقد منع عمر بن عبد العزيز في عهده سبّ علي أو التنقص من آل البيت،وعاقب من يتكلم بالحقد والسفاهة فيما شجر بين صحابة رسول الله.ولوعلم عمر... أن بعض الطوائف جعلت الصحابة أعداء لآل البيت علي هذا النحو الذي تتبناه دول باطنية مارقة في عصرنا .. وبعضهم أراد منا أن نجعل من حب آل البيت عبادة تكفينا عن سائر العبادات، ونتغنى بهذا الحب ونقيم له الاحتفالات!! –لو علم عمرهذا لأخذه العجب كله- فكيف وهم يريدون منا الفصل بين الحقيقة والشريعة.. بل والتضحية بالشريعة، دون أن نربط حبّنا لآل البيت بالحب الإيجابي العملي، الذي أمرنا الله به، وذلك عندما قال في دستوره الحكيم على لسان رسوله الكريم "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"؟!!
إن الاتباع هوالأصل، والعمل بسنته وهديه هو عين الحبّ، وإحسان الظن بصحابته وآل بيته معاً هو المنهج السديد، وتفسير ما شجر بين الصحابة من خلافات بشرية تفسيراً يليق بهم ويليق بنا هوالجدير بنا، إذا أردنا أن يسلم لنا ديننا، وتسلم لنا دنيانا وآخرتنا... ولنا في سلوك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز خير منهج وخير دليل....فرضي الله عن عمر بن عبد العزيز الأموي العظيم على ما قدمه من إكرام لآل البيت، وخدمات للأمة الإسلامية كلها.
*أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
*رئيس تحرير مجلة التبيان

ليست هناك تعليقات: