الجمعة، 14 نوفمبر 2008

إقرأ...إستفيد

د.محمد صفوت قابل عميد تجارة المنوفية فرع السادات يكتب: صكوك الملكية .. ومخاطر التطبيق


المصري اليوم:١٤/ ١١/ ٢٠٠٨



تشير تصريحات وزير الاستثمار إلى أن قانون تمليك المواطنين صكوكاً مجانية لتملك أصول عامة يطور برنامج الخصخصة المصرى بما يسمح بتسريع وتيرة البرنامج والانتهاء منه خلال ١٨ شهراً، وكما هى العادة فى وضع السياسات وتنفيذها فإن المتخصصين لا يعرفون لماذا يتم إصدار القانون، وما الهدف الحقيقى من صدوره، لأن التجربة علمتنا أنه دائماً عندما يراد تمرير سياسة لا تلقى القبول العام يتم التمهيد لذلك بأن الهدف هو مصلحة الفقراء والمواطنين العاديين، وهو ما يحدث فى التمهيد لهذا القانون بالحديث عن نقل ملكية أصول الدولة إلى ٤١ مليون مواطن، وما صرح به أيضاً وزير الاستثمار تبريراً لهذا القانون بأن رئيس الجمهورية كان قد طلب فى مؤتمر الحزب الوطنى إشراك الشعب فى الانتفاع بفوائد برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة، وبناء على ما نشر عن هذا القانون لنا مجموعة من الملاحظات عن الهدف والتوجهات العامة لهذا المشروع، وأيضاً تساؤلات عن كيفية التنفيذ، لأن فى تفاصيل المشروع ما يثير التخوفات عن أن التطبيق سيتجه لغير ما يعلن عنه من تملك المواطنين أصول الدولة.
فطبقاً للمنشور، فإن التشريع الجديد له ثلاثة أهداف رئيسية تتمثل فى إشراك القواعد العريضة من الشعب فى الانتفاع بفوائد برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة، وتعزيز إحساس المواطنين بحقهم فى اتخاذ القرارات المتعلقة بثروات بلدهم، ويتيح لهم المشاركة فيها، وكذلك ضمان حقوق الأجيال القادمة بوضع خطة تضمن لهم نصيباً من ثمار عوائد برنامج الأصول المملوكة للدولة، ولأن هذه الأهداف من العمومية بحيث لا تعرف كيف يتم تطبيقها، وكيف يشارك المواطن فى اتخاذ القرارات المتعلقة بثروة بلده، اللهم إلا إذا كانت هذه المشاركة، هى اتخاذه قراراً ببيع ما ملكته له الدولة من هذه الأصول، وبالتالى يكون الهدف من هذا القانون هو نقل هذه الأصول إلى من تعرفه الحكومة، ولكن عن طريق الشعب الذى سيبيع ما يملك، وبالتالى لن تتعرض الحكومة للانتقادات.
ولابد أن تحدد الدولة بداية وبصراحة وبالشفافية التى تتحدث عنها دائماً ما موقفها من الأصول التى تحت يدها والتى هى ملكية الشعب فى الأساس، هل تريد خصخصتها وبيعها إلى القطاع الخاص سواء كان مصرياً أو أجنبياً، وما المدى الذى ستسير فيه فى الخصخصة، وهل كل الأصول معروضة للبيع أم لا، وما هذا الحديث عن نقل أصول مثل مياه النيل وبحيرة ناصر والشواطئ؟ هذه هى النقطة الأساسية التى على الدولة تحديدها بصراحة، ثم عند وجود توافق على مدى الخصخصة يأتى الحديث عن كيفية ذلك، وهل هو بتملك المواطنين هذه الأصول أم شكل آخر وغير ذلك من التفاصيل، أما أن ترمى الحكومة بطعم إلى المواطن، الذى تحاصره مشاكل توفير لقمة العيش، وتقول له ستتملك جزءاً من أصول الدولة ولك حرية البيع، فمن المعروف ماذا سيحدث من الأغلبية الفقيرة، وبالتالى تكون هذه طريقة خبيثة لتمرير عمليات البيع إلى من تعرفهم الحكومة لقاء مئات من الجنيهات يحصل عليها المواطن مقابل القيمة الاسمية لما يملكه، وهو نفس ما كان يدفعه المشترى للعمال عند شراء مصنع مثلاً حيث يصرف مكافأة للعمال من المعروف هدفها، وهو سكوتهم عن بيعه المنشأة التى يعملون بها.
وبالنسبة لما يقال عن إنشاء صندوق للأجيال تؤول إليه نسبة من أسهم الأصول العامة، فهذه الفكرة مأخوذة من دول الخليج التى لديها فوائض كبيرة، وبالتالى تنشئ هذه الصناديق لاستثمار هذه الأموال فى مشروعات تدر عائداً عبر السنوات، وبالنسبة لمصر فهذا الصندوق سيحصل على موارده من نسبة حوالى ٥٪ إلى ١٠٪ من الأسهم المخصصة للبيع، وبالتالى فهناك قرار من البداية للبيع إلى غير المواطنين، لأن المواطنين سيحصلون على أسهم دون دفع مقابل، وبالتالى فالنسبة التى ستخصص للصندوق ستأتى من البيع لغير المواطنين، كذلك هل هذه النسبة من الضخامة بحيث تكون كافية للأجيال القادمة؟ بالطبع فحجم النسبة سيتوقف على حجم المبيعات، فكلما باعت الحكومة أكثر ومشروعات ضخمة زادت موارد هذا الصندوق، كذلك إذا سارت الأمور وفق مخطط الحكومة فمن الذى سيدير هذا الصندوق؟ هل هى الحكومة، وماذا ستفعل بهذه الأموال؟ هل ستفعل بها ما فعلته بأموال التأمينات والمعاشات؟
ومن الأمور الغريبة التى تحتاج إلى توضيح ما نشر عن أنه سيتم بيع كل ما سيباع مرة واحدة عبر شركة قابضة ستنشأ لهذا الغرض وتزول بزوال المهمة، كيف سيتم البيع مرة واحدة وبأى قيمة أم أن البيع سيكون بالقيمة الاسمية وهى لا تعد شيئاً بجوار القيمة الحقيقية، لأنه إذا كانت الحكومة ستبيع للمواطن بالقيمة الاسمية فمن يحدد القيمة التى سيبيع بها المواطن، وهل سيبيع المواطن أيضاً بالقيمة الاسمية فيكون ما يحدث سرقة بمباركة الحكومة؟!
والسؤال: كيف تقدم الحكومة على تنفيذ هذا القانون، الذى سيؤدى إلى بيع كل الأصول مرة واحدة حتى تتخلص من الصداع الدائم من رد فعل الرأى العام على كل صفقة، وهى تدرك أن هذا التوقيت لا يصلح لذلك فى ظل أزمة مالية عالمية جعلت الدول الكبرى تفرض سيطرتها على العديد من المؤسسات، بينما هنا فى مصر الحكومة ترى بيع كل الأصول مرة واحدة.
وأخيراً، على الجميع التنبه إلى هذا الفخ الذى تنصبه الحكومة لتمرير عمليات البيع لكل الأصول، وهو نقل ملكية الشركات إلى المواطنين، وفى الوقت نفسه للمواطن حرية التصرف فى تلك الأسهم من أول يوم لتملكها، وهو ما سيؤدى فى الواقع إلى نقل الملكية عبر المواطنين إلى من تعرفهم الحكومة من رجال الأعمال والأجانب، ولا يستطيع أحد الاعتراض، فالمواطن هو الذى باع وفق المقولة.. «كل واحد حر فيما يملك».

ليست هناك تعليقات: