الخميس، 20 نوفمبر 2008

رحمة الله عليك ياعاملنا الجليل

ورحل رجل المواقف (الدكتور محمد المسير)
د/طلحة محمد المسير : المصريون ... بتاريخ 19 - 11 - 2008

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛فإن الله جل وعلا أكمل الدين، وأتم النعمة، ورضي الإسلام دينا، وقيض الله لهذه الشريعة ثلة من نجباء الأمة الأفذاذ يقومون بواجب البلاغ كل حسب توفيق الله له وتسديده إياه.
ولقد كان الشيخ محمد المسير رمزا من رموز المدرسة الأزهرية، سطع نجمه كشيخ التزم الزي الأزهري منذ صباه، وأوتي طلاقة حديث بلسان عربي قويم لا يعرف اللحن، مع دقة في التعبير ووضوح المعنى واختصار الحديث، يزين ذلك باستكمال مراتب المروءة من وقار وسكينة، مما يطبع على كلامه وحركته ونظرته وسيره وإشارة يده رونقا يعرفه كل من التقى به أو استمع حديثه.هذه الخصائص امتزجت بصدعه بالحق، فكان من القلة النادرة التي ذاع صيتها ووجدت قبولا بين الناس ومع ذلك قالت الحق في أمور كثر فيها الخلط وحاول البعض تقليب الأمور، منفردًا عن كثير من معاصريه باجتماع خصال ثلاث هي:
1- قول الحق دون تلبيس أو خلط، وتبيين الصواب دون مداهنة أو مناورة.
2- نشر هذا الحق بالطرق التي تتيسر له من جرائد سيارة وقنوات وإذاعات وكتب ومحاضرات.
3- عدم تأخير البيان عن وقته، فكان يصدع بالحق متحملا تبعة هذا الصدع دون انتظار للفرص الآمنة التي تجنبه تبعات هذا القول.
وقد آثرت أن أقدم ترجمة عملية للوالد رحمة الله عليه باستعراض بعض المواقف التي بها تعرف معادن الرجال، علها تكون عبرة لمن اهتدى.
وهذه المواقف تدور في محاور ثلاثة اعتنى الوالد رحمه الله بها أيما اعتناء؛ هي مواجهة العدو الخارجي، والأبواق الدعائية الداخلية، والفتاوى التي صدرت من بعض الرموز، ولكنها ولدت في أجواء غير طبيعية، ويراد بها تغيير وجه الأمة، ويروج لها أناس ما عرفوا يوما بالحرص على صحيح الدين ولا بالخلق القويم.
أ– مواجهة العدو الخارجي:-
قال رحمه الله: " نبه القرآن المؤمنين إلى أن تحالف الكفر تحالف فاشل، ينطوي على هلع ورعب وخوف، وأن الكافرين أعجز من أن يواجهوا المؤمنين مواجهة ميدانية مباشرة ، ولذا فهم اليوم يطلقون الصواريخ عابرة القارات أو الطائرات بدون طيارين".
- وقال: " إن اليهود والصليبيين لا يعترفون بقوانين ولا أعراف دولية، ومن الخطأ محاولة إقناعهم بالحق والعدل، فهم لا يفهمون إلا لغة القوة، ولا يقرع القنا غير القنا".
- وعندما استأسدت الولايات المتحدة على ضعفاء الأفغان قال: " تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بالقبض على أسامة بن لادن..، والسؤال المطروح أمام علماء المسلمين هو: هل يجوز تسليم أسامة بن لادن إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى ولو صدقت دعواهم بأنه ضالع في عمليات التفجير الأخيرة في واشنطن ونيويورك؟ مبلغ علمي أن المسلم لا يحاكم إلا أمام قاض مسلم، ولا يطبق عليه إلا شريعة الإسلام، ولا يجوز شرعا ظلم مسلم أو خذلانه أو تركه للأعداء".
- وقال: " هل يستطيع صاحب أي منصب شعبي أو رسمي أن يعلن الجهاد سبيلا لتحرير القدس؟ هل تستطيع أي جهة شعبية أو رسمية أن تقدم السلاح لأبطال الانتفاضة المباركة؟.. إن مأساة الأمة الإسلامية اليوم هي أنها تتسول حقوقها على موائد اللئام، وتضع مستقبلها بين يدي أعدائها، وتنتظر القرارات التي تحدد مصيرها".
- وقال: " لقد كفرنا بالأمم المتحدة والولايات المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان".
ب- مواجهة الأبواق الدعائية الداخلية:
- قال عن منكري السنة: "في كل عصر يظهر المبطلون والمنتحلون الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ويطعنون في الدين، ويظاهرون أعداء المسلمين ويفترون الكذب حول الإسلام، وقد كان الغزو الفكري وما زال يتخذ أشكالا متعددة، أخطرها الآن هي محاولة إظهار الحرص على الإسلام والدفاع عن القرآن ثم هدم الدين كله بأيدي أناس من بني جلدتنا يتكلمون لغتنا ويعيشون بيننا وهم صنائع العدو وعملاء الكافرين".
- في عام 1983 أخرج الشيخ محمد المسير رحمه الله كتابا بعنوان: أدب الحديث عن الله، جاء في مقدمته: "الوفاء لله هو مقدمة الوفاء للبشر، والالتزام بعهد الله هو مقدمة الالتزام بعهد البشر..، من هذا المنطلق آثرت إخراج تلك الصفحات ردا على ما أثاره الأستاذ توفيق الحكيم في حديث الثلاثاء من تطاول على الذات العلية ونيل من عرض الأنبياء واستهزاء بآيات الله، فقد بدأ الأستاذ الحكيم ينشر حديث الثلاثاء في صحيفة الأهرام يوم 1/3/1983 فقرأت الحديث وتقززت".
- وقال: "هذا والمتتبع لما يكتبه البعض في الصحف القومية والحزبية على سواء يجد أشياء يندى لها جبين الرجل الحر، لا يقرها دين ولا عرف، وتخرج عن كل قيم تعارف عليها عقلاء البشر".
- وقال: "وما زال غرباء الأمة ودخلاء الفكر فيها يقفون عقبة أمام إرادة الأمة في الالتزام بأحكام الله تعالى في كافة شئون حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
- وقال: "ماذا تعني الوطنية؟ هل هي مجرد بقعة من الأرض ولد عليها الإنسان وكفى؟ إن الأرض لا تقدس أحدا ولا يقدسها أحد، وإنما العمل والعقيدة والقيم هي ميزان التكريم للإنسان والشعوب".
- وقال: "من الكلمات التي ظلمت في العصر الحديث ظلما بينا كلمات التطور والتجديد والتنوير والتحديث، لقد أضافوها إلى الدين وأرادوا بها طرح رؤى متباينة لا علاقة لها بالدين وحاولوا تبريرها أو تمريرها إسلاميا، والإسلام منها براء".
- وقال: "في الوقت الذي يتنادى فيه العقلاء لنلتقي على كلمة سواء حفاظا على مصرنا العزيزة، يظل أدعياء الكلمة وعاهرو الحكمة يطلون على الأمة من منافذ إعلامها يخربون العقول ويعبثون بالفضائل ويئدون القيم ويثيرون الفتنة ويجاهرون بمقولاتهم السوداء وأفكارهم الطائشة ويبثون حقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين".
ج - مواجهة الفتاوى التي يراد بها تغيير وجه الأمة:
- قال عن أدعياء تحديد النسل: "ظهرت دراسات وبحوث ارتدت مسوح العلم وهو منها براء..، وقامت وسائل الإعلام بترويج هذه الكهانة الجديدة..، إن الظاهرة السكانية يعتريها الارتفاع والانخفاض لأسباب خارجة عن إرادة البشر وفي نطاق التوازن الكوني الذي يدبره الله عز وجل..، والأصل أن تحرص الدولة على زيادة النسل والنهوض بالاقتصاد والعناية بالمواطنين".
- عندما وقعت أحداث العراق والكويت أقامت رابطة العالم الإسلامي مؤتمرا لمناقشة الأوضاع، وحضر الدكتور محمد المسير المؤتمر وأعلن صراحة رفض دخول القوات الكافرة في الحرب وقال: "إن الدول الغربية لن تدافع عن الإسلام ولن تحمي المسلمين..، وهذه الدول الغربية تسعى جاهدة للسيطرة على المنطقة لمصالحها الاقتصادية والعسكرية..، ولمن ستكون السيطرة على القوات الأجنبية؟ هل هي للقيادة الإسلامية أم للقيادة الأمريكية".
- وعندما أصدر وزير الأوقاف تصريحا يطالب فيه المواطنين بالإبلاغ عن أي داعية يحاول تكفير مسلم أو غير مسلم، كتب الوالد رحمه الله: "وتبقى القضية الخطيرة، وهي ما يتعلق بتكفير غير المسلم..، فليس هناك على وجه الأرض عقيدة لا تكفر باقي العقائد المخالفة، هذا جانب عقدي لا يمكن التنازل عنه أو التهاون فيه وإلا سنكون من أنصار كتاب الفرقان الذي توزعه الولايات المتحدة".
- وعن البنوك الربوية قال: "ولست أدري لماذا يحاول العلماء تبرير الفوائد إسلاميا ومنحها جواز مرور شرعي، مع أنه واضح جلي كيف نشأت البنوك على الربا وقامت على سوءاته..، إن ما يفتي به بعض العلماء من حل لفوائد البنوك يدخل في باب الحيل..، ومن العجب العجاب أن يدافع هؤلاء عن أوضاع بدأت تنهار، ونظم دخيلة علينا، وبنوك لم تؤسس على التقوى".
- وعندما أفتى د . علي جمعة بإباحة بيع الخمر ولحم الخنزير لغير المسلمين في بلاد الكفار، قال رحمه الله : " إن هذه الفتوى تضيع هوية المسلمين في عصرنا الحاضر، وتمسخ قيمهم، وتجعلهم يعيشون بلا ضوابط شرعية، ولا تمكنهم من إنشاء جماعة مسلمة متميزة لها أخلاقها الحميدة وسلوكها الراشد".
- وقال عن الختان :" إجماع الأمة سلفا وخلفا وعلى مدار أربعة عشر قرنا أن الختان للرجال والنساء مشروع، ولم يقل أحد على الإطلاق بجرمته أو تحريمه..، ودعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختن بناته هي دعوى فاجرة تنتهك عرض الهاشميات وتخوض في عفاف نساء آل البيت ".
* وبعد؛ فهذا غيض من فيض وقليل من كثير من مواقفه المسددة التي كرس لها الكثير من دعوته، ووقف سدا منيعا في وجه الأباطيل.
ومع وضوح هذه الرؤية في فكر الوالد رحمه الله فقد تغافل البعض عن هذا الضياء اللامع، وحاول أن يتسلق على أكتاف الموتى وأن يقحمه في معاركه الخاصة، وذلك باقتباس نقولات من كتبه في قضايا ذكر الوالد رحمه الله أنه سيجتهد فيها وسعه مع اعترافه بوجاهة ما ارتآه غيره، فاقتبسوا تلك النقولات على أنها قواطع عقدية يدافعون عنها، وتركوا القواطع العقدية حقا وراء ظهورهم، فبئس ما يصنعون.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رحم الله شيخنا واسكنه فسيح جناته وبلغه الفردوس الاعلى دون حساب ولا سابقة عذاب امين يا رب العالمين