الجمعة، 21 نوفمبر 2008

دنيا

خلال الأربعة أعوام الماضية تغيرت الخريطة الإجتماعية بمصر تغيرا كارثيا (الأفضل أن نقول تشوهت أو ربما تهدمت). بدون مقدمات بدأت تدفق آلاف الجنيهات إلى جيوب بعض الناس بدون عناء من أعمال السمسرة في الأراضي والعقارات. رأيت البقال والحلاق والسباك وجميع الحرف تمارس هذا العمل.....وليس ببعيد عنهم بعض من علية القوم من بعض الهيئات القضائية والجامعية والطبية. المردود كان مغريا ليتنازل العديد منهم عن كثير من الثوابت. ويبدو لي ان الثابت الوحيد الذي لم يتغير هو إيمان الناس بأن المادة هي كل شئ وماعداها يهون. كنت عمري كله أحلم بمركز علمي مرموق في هذه البلد وحاربت من أجل ذلك حروب عديدة محاولا أن أضرب مثلا لعوام الناس يستنهض هممهم ويحفذهم على تعليم أولادهم.
جاء توسنامي السمسرة هذا فدمربكل إستهتار وتعالي مابنيت في سنين. وقد أبدو أنا في عيون الكثير المغفل الوحيد الذي يعرفونه حولهم فالجميع يعمل بالسمسرة إلا العبد لله.
اليوم وأنا أتابع الصحف وجدت هذا المقال الماتع الذي يعطي لمحة مقاربة لما تحدثت عنه فإلى المقال الذي حرك شجوني وآلامي. بالطبع أنا لاأحرم عملا ما طالما هو حلال....لكن لكل قوم مقام....كما أن الضربة كانت موجعة ...ولا أدري كيف سنربي أولادنا في السنين القادمة وعلى أي مبادئ سننشئهم. نسأل الله العون.

هوانم مصر الجديدة ـ إيمان القدوسي
إيمان القدوسي : المصريون بتاريخ 21 - 11 - 2008
عام 1980مبدأت رحلة طموح ( خضرة ) بزواجها من (حسن ) الجزار ، هو مجرد صبي جزار ولكن في مصر الجديدة ، تزوجت في حجرة خصصت لهما في شقة أسرته المكونة من حجرتين وصالة ، ومنذ الليلة الأولي اندلعت الحرب بينها وبين أهله . بالرغم من قدرتها علي أن تأخذ حقها أولا بأول إلا أنها استثمرت الخناقات في استعطاف قلوب هوانم مصر الجديدة أثناء قيامها بتوصيل طلبات اللحوم إليهن وهي المهنة التي استحدثتها لنفسها ولقيت رواجا كبيرا ، نشأت علاقات مباشرة بينها وبين الهوانم ترتب عليها إكراميات وملابس وأحذية مستعملة ولكن فاخرة للعروس المكافحة ، تعاطفت معها بشدة الدكتورة ( إلهام ) طبيبة الأسنان المعروفة والتي كانت (خضرة ) تصنفها بحق أنها ( ست الهوانم ) .توسطت الدكتورة (إلهام ) لدي ابنة عمها (نرمين ) لتعطي (خضرة) شقة في بيتها كانت تحتجزها لابنها الصغير وذلك لحين تمكن زوجها من الحصول علي شقة خاصة وهروبا من جحيم الخلافات بين الزوجة الشابة وأهل زوجها . ـ ـ ـ
بعد عشرين سنة ذهبت (الدكتورة إلهام ) لزيارة (خضرة) في فيلتها الفخمة ، وأثناء عبورها بسيارتها حديقة الفيلا مر شريط الأحداث أمام عينيها سريعا ، لمع نجم (حسن) في سماء تجارة العملة وحقق ثروة في زمن قياسي وصار من رجال الأعمال المعروفين والتصقت به مهنته ( حسن الجزار ) وانتقل مع زوجته ( نورهان هانم ) ( اسم الشهرة الذي اتخذته خضرة ) وبناته الخمس إلي ذلك القصر الذي بدأت تتبين معالمه ، وكان سبب الزيارة هو التوسط لدي (خضرة) لإعادة الشقة لصاحبتها ، لأن ابنها الذي كان طفلا وقتها صار طبيبا وخطب زميلته ويريد شقته التي أغلقتها (خضرة) منذ سنوات وتماطل في إعادتها والوفاء بوعدها القديم . لم تكن نتائج الزيارة طيبة أبدا ، فقد كانت ( نورهان هانم ) قاسية ومتعالية ومتعنتة جدا في تعاملها مع ضيفتها ، وكان أقصي ما قبلته هو التفاهم مع ( نرمين ) صاحبة الشقة ، وفي اللقاء الموعود كان واضحا كيف دارت دائرة الثروة لتؤدي لتبادل المواقع ، كان الموت المبكر لزوج (نرمين ) واستيلاء شركاؤه علي حقوقه قد أدي لتدهور وضعها الاقتصادي ، طلبت منها ( نورهان ) أن تدفع لها مبلغا من المال مقابل تسليمها الشقة ولما تأكدت من عجزها عن الدفع طلبت منها بعض التحف كبديل ، وافقت السيدة مرغمة وأعطتها لها وهي تحبس دموعها . ـ ـ ـ
هذا العام استدعت ( نورهان هانم ) ( نرمين ) بالتليفون ، لتستشيرها بشأن مشكلتها الجديدة فقد صارت ( نرمين ) المستشار الفني لها منذ لقاءهما الأخير ، عندما كانت ( نورهان) تسألها عن التحف واللوحات وأهميتها ونوعها ، سمعت منها لأول مرة ألفاظا منمقة كان لوقعها في الأذن قيمة الماس واللؤلؤ ( رينوار ، بيكاسو ، سيفر ، سينيه ، لوى كانز ) واكتشفت( نورهان) أنها عادت (خضرة ) مرة أخري بسبب جهلها بمفردات عالمها الجديد ( عالم الهوانم ) ولذلك بدأت العلاقة بينهما تتخذ شكلا مختلفا ، تعلمها ( نرمين ) آداب الهوانم والناس الكلاس وهو آخر ما تملك من العز الزائل وتمنحها خضرة المال الذي ساعدها كثيرا في تغطية نفقاتها ونفقات زواج ابنها الطبيب .
قالت ( نورهان ) : مشكلتي الجديدة هي صفحة الوفيات ، بعد وفاتي ماذا سيكتب في النعي ، وكيف ينكشف أصلي أمام أزواج بناتي ومجتمعي الجديد كله ؟ بعد تفكير عميق عرضت عليها نرمين أن تمنحها أصلها أو بمعنى أدق تشاركها فيه ، قالت برقة ونعومة بنات الذوات ( نورهان هانم ، لقد أصبحت مثل أختي ، ولذلك يمكنك الانتساب لعائلتنا وفي أصولنا ( باشا ) و( بكوات ) و ( هوانم ) واحتفظي باسمك الجديد نورهان وانسي خضرة تماما ) ـ ـ ـ
عندما يحين الأجل صوان عزاء شديد الفخامة ومقرئ شهير ووجوه المجتمع في عزاء (خضرة) ، وفي صفحة الوفيات في الأهرام نعي يحتل ثلاث صفحات لسيدة البر والإحسان سليلة أكبر العائلات نورهان هانم ابنة سعيد بك جودت وحفيدة جودت باشا السلحدار و............الخ )
وعندما يخرج المستشار عوني حفيد جودت باشا من العزاء سيسأل أخيه ( من هي نورهان هذه يا رشدي ؟ سعيد بك عمنا لم يكن له ابنة أخري غير نرمين رحمها الله ) يرد رشدي ( لا تقل هذا يا عوني ذاكرتك أصبحت ضعيفة ، إنها من أفضل هوانم العائلة الكريمة بدليل أن أولادي وأولادك يعملون في شركاتها ) يهز عوني رأسه مؤمنا ( نعم نعم ، عندك حق ، لقد بدأت الذاكرة تخونني )
التعليقات:
1-الفاضلة ام ادهم تقول...
السلام عليكم خضرة التي تتكلم عنها نقابلها كل يوم في تعاملاتنا وهي ظاهرة اصبحت مثل السرطان.ولكن لم يعد هناك هوانم ولا بياعات خضار .لم تعد تعرفهن من بعضهن بالشكل ولكن تعرفهن من طريقة الحديث والعبارات والالفاظ والاصطناع الشديد للثقافة والمعرفة.انا لا انتقدهن لانهن يحاولن ان يصبح مستواهن الثقافي والاجتماعي احسن ولكن يجب ان يكون على حق وليس للمنظرة والمنجهة وغطرسة المحدثين.فكم من بنات البشوات الحقيقيات هن مثال الادب والاخلاق العالية وكم منهن عنده عقدة بابا وجدو الباشا وكم من خضرة مثال للادب والتواضع وكم من خضرة مثال للغطرسة وقلة الذوق. هذا زمن كم معه وليس زمن ماذا معه.ويبقى الانسان انسان بأخلاقه ومبادئه وليس بماله ونسبه.
************************
2- إبن البلد يقول....
كان لي صديق يقول لي كلما تحدثنا في أمور مصر بيتا من الشعر لاأعرف صاحبه وهو:
هذا زمانك يامهازل فامرحي ..........قد عد كلب الصيد من الفرسان
وكم من كلب صيد الآن مستأسد علينا!!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

السلام عليكم
خضرة التي تتكلم عنها نقابلها كل يوم في تعاملاتنا وهي ظاهرة اصبحت مثل السرطان.ولكن لم يعد هناك هوانم ولا بياعات خضار .لم تعد تعرفهن من بعضهن بالشكل ولكن تعرفهن من طريقة الحديث والعبارات والالفاظ والاصطناع الشديد للثقافة والمعرفة.
انا لا انتقدهن لانهن يحاولن ان يصبح مستواهن الثقافي والاجتماعي احسن ولكن يجب ان يكون على حق وليس للمنظرة والمنجهة وغطرسة المحدثين.
فكم من بنات البشوات الحقيقيات هن مثال الادب والاخلاق العالية وكم منهن عنده عقدة بابا وجدو الباشا وكم من خضرة مثال للادب والتواضع وكم من خضرة مثال للغطرسة وقلة الذوق.
هذا زمن كم معه وليس زمن ماذا معه.
ويبقى الانسان انسان بأخلاقه ومبادئه وليس بماله ونسبه