الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

رحم الله من كانت الجنة تحت أقدامها

على مختلف درجات تعليمنا وثقافتنا وتديننا إلا أن أغلبنا يقع في هذا الخطأ الجسيم، وحقا لانفهم ماضاع منا إلا بعد فوات الأوان. كلنا يمني نفسه أنه باتصاله أسبوعيا أو يوميا بأبيه وأمه فإنه قد أبرهما وهذا من الأوهام التي لايرى حقيقتها بصرنا إلا بعد فوات الأوان. البعض الآخر يعتقد أنه "بدفع" بعض المال لهما لإعانتهم في معيشتهم أو ببعض الطعام والشراب قد أبرهما وهذا والله هوأيضا وهم أكيد.

في الواقع، البر بهم أكبر من ذلك بكثير فكل الأمور السابقة يفعلها أي إنسان حتى مع من ليس لهم به صلة قرابة.
إن كنت لم تضيع مثلي مع الدنيا ومازال لك أب أو أم فاذهب إلى كتب التراث اوقرأ قصص من أبدعوا في بر أبائهم وأمهاتهم ومع ذلك يقال لهم أن هذا أقل من القليل.
وأتذكر ذلك الصالح الذي كان يحمل أمه على ظهره ليحج بها وكان يقل أنها كانت تقضي حاجتها عليه في بعض الأحيان، فقد كان ظهره هو مركبها وسريرها وأشياء أخرى، ولما سأل هل هو بذلك أبرها قيل له إن فعلك هذا لايساوي ولا حتى طلقة واحدة منها حين كانت تلدك.
القصص من هذا النوع لاتعني أن يصاب المرء بالقنوط من أن يستطع أن يبر أبويه وإنما تدفع المرء في أن يضع ذلك دوما أمام عينيه ويصبح ذلك همه الشاغل، فلا يتذكر أبدا عملا يحبه والديه إلا وفعله لهما، ولايتذكر أبدا برا أيا كان نوعه إلا وفعله لهما.
ومع ذلك يظل متضرعا إلى الخالق سبحانه بان يتقبل منه ذلك وألا يقبضهما إلا وهما عنه راضيين.

المقال التالي من جريدة المصري اليوم هو الذي أثار في نفسي الشجون السابقة. هو مقال مملوء بالصدق وكثير من الندم على مافات ..... أنقله لك أخي العزيز علك تعلم فلاتندم.

إلى المقال:

عودوا.. وقبّلوا الأرض تحت أقدامهم : المصري اليوم ١٤/ ١٠/ ٢٠٠٩
تمر على الإنسان فى حياته أحداث كثيرة، بعضها حلو وبعضها مر، وهكذا هى حال الدنيا حتى يرحل ذاك الإنسان بدوره عن الحياة، غير أن إحساس الحلاوة والمرارة يتلاشى عند عتبة الموت، عندما ينعى إليك إنسان عزيز كان يشاركك آمالك وآلامك ويقاسمك أفراحك وأحزانك، بل أحياناً يفرح لك أكثر مما تفرح أنت لنفسك، ويحزن لأجلك أكثر مما تحزن أنت، ولا يوجد فى الدنيا كلها رغم كثرة الأصدقاء والأحباب والمعارف من يمكنه فعل ذلك أحسن من الأم..
الأم الحنون التى ليس لها أعز من نفسها كابنها، فلذة كبدها، الأم التى تراك «صغيرها» حتى وإن بلغت من العمر الكهولة أو الشيخوخة، تراك وليدها وأنت أب لنصف دستة من البنين والبنات، تخاف عليك نوائب الدهر وتخشى عليك من البرد، وتراها تراقب ملامح وجهك لترصد أى مسحة حزن أو لمحة هم، أو تتنصت لكلامك مدققة فى نبرة صوتك لعلها تكتشف «نغمة» غير عادية لتسألك عن أحوالك وقلق الدنيا كله فى عينيها، ومهما حاولت طمأنتها أو حاولت مخادعتها بهدوئك وابتسامتك فإنك لن تستطيع لأن قلب الأم حساس، وعينيها تلتقط كل إشارة مهما كانت ضئيلة خفية،
ولا شك أن موت الأم يزلزل حياة أى إنسان ويجعله يشعر بإحساس لا يمكن تقديره أو وصفه بالكلام، إحساس تتلاشى عنده الكلمات وتضمحل العبارات ولا تبقى سوى العبرات، ماتت أمى، فسكت الصوت الذى كان يترنم بتسابيح الملكوت، وهاجر الطائر الذى كان يغرد بصوت السماء، ماتت أمى، فحطت الرحمة أدواتها وارتحلت وتركت الحياة كليلة عزاء طويلة،
فلم تعد النجوم على الأرض إلا مصابيح مأتم أقيم بليل، ولم يعد للحياة معنى من بعدها، ماتت أمى، فأصبحت أحيا ببعض نفس وبعض روح وبعض عقل، ماتت أمى، فلم يعد بعدها قلب يضخ الحب بلا حساب، ولا صدر ينفث عطر الأمن والأمان بلا مقابل، رحمك الله يا أمى لقد عشت بسيطة ومت بسيطة ودفنت بسيطة، فما أسعدك وما أحزننى!
ويا أيها الأبناء، يا من تتناسون آباءكم وأمهاتكم، عودوا إليهم وقبلوا الأرض تحت أقدامهم، فسيأتى وقت تندمون على كل لحظة لم تنالوا فيها حباً وحناناً باركته السماء، وستذرفون بدل الدمع دماً على غفلتكم وتقصيركم فى حقهم.
د.هانى عبدالخالق
أستاذ إدارة الأعمال - تورنتو - كندا

ليست هناك تعليقات: